الرياضيات و الثورة، العلمانية والقرنبيط- !

11‏/01‏/2014 Libellés :

فى البدأ ....

تقريبا وقبل 3 سنوات من اﻵن كنت كغيري من طلبة الدراسات العليا الهندسية ، أمارس بنوع من الملل تطبيق الرياضيات لحل بعض من المشاكل و التمارين التطبيقية في المواد الدراسية المختلفة....
في الواقع لم أكن يوما من من يعاني مع الرياضيات أو تطرح له مشكلة كثرة معادلتها و صعوبة فهمها ، فقد كانت دائما المادة المنقذة لي و العصا السحري الذي أعوض به ضعف ذاكراتي علي المدي البعيد..

غيريغوي بيرلمان   - رشح لجائزة فيدلس للرياضيات و رفضها
وقد استغرب أحد استاذي يوما( كان استاذ التحليل العقدي) حصولي علي 19.75/20 رغم كوني لم أحضر قط ﻷي من دروسه النظرية ( كنت أعوض عن دروسه النظرية بالدروس عبر اﻷنترنت )..
ورغم ذلك فلم أكتشف يوما أن الرياضيات أكثر من مجرد معادلات بائسة تتكون من رموز غريبة و مملة كثيرا ..
بدأت القصة حين قرأت عن عالم رياضيات  روسي  كبير رفض جائزة بقيمة مليون دولار إستحقها إثر حله للمشكلة بوينكاريه و هي معضلة أعجزت العلماء علي مدار أكثر من 100 سنة أو يزيد...
كان هذا الخبر كافيا لتغيير وجهة نظرى للأبد عن الرياضيات ، بل كان كافيا لتبدأ قصة حب وشغف و ولع بالرياضيات ومعادلاتها و رموزها و أشكالها و الغازها و علمائها العباقرة..

كان اﻷسئلة اﻷولى التي اثارت فضولي في الخبر هو كيف لميلون دولار أن يكون جواب سؤال واحد ؟  ولماذا توجد  أسئلة مفتوحة في الرياضيات طوال كل هذه القرون ؟ و هل يعقل أن سؤالا واحد يقف أمام المئات من مراكز البحث و اﻵلاف من الباحثين علي مدار سنين ؟
سرعان ما قداني البحث السريع علي جوجل الي معهد كلاي و  اﻷسئلة السبعة العظمي في الرياضيات و سرعان ما انبهرت ليس فقط بسبب إعجاز هذه اﻷسئلة بل بسبب بساطة بعضها لدرجة لا تصدق..
و طوال حياتي لم انبهر يوما قبل تلك اﻷكتشافات و لم اكتشف أن للعلم حدود و للمعرفة نهايات قبل اكتشافي للرياضيات  و للأغازها المحرية ..
 لم تقدني تلك البحوث الي الأسئلة السبعة فقط بل قادتني الي لائحة طويلة بل مجال واسع هو  اﻷسئلة المفتوحة في الرياضيات و عدم كمالها و نظرية جودل في المنطق الرياضى..
حدسية ابونكاريه
كان هذا التحدي كافيا ﻷقع مغرما بالرياضيات لبقية حياتي و لأقرر تخصيص جزء من وقتي  و جهدي للكتابة عنها للآخرين ممن لم يكتشف جمالها بعد..

كره الرياضيات و العلمانية و اﻷنظمة:

الرياضيات و القرنبيط!

في استفتاء شمل اكثر من ألفين طفل أمريكي اجاب اكثر من 56% أنه يفضلون أكل القرنبيط عن القيام بواجب منزلي في مادة الرياضيات !
 ولا عجب كره الرياضيات هي مشاعر غالبة في جل المدراس و الجامعات !
يقع الجزء اﻷكبر من تلك المشاعر علي عاتق اﻷنظمة التعليمية المختلفة في جل البلدان ، إلا أننا في النهاية يبنغي أن لا نلومها ﻷنها صممت لذلك ..
في الحقيقة إن الجانب الرياضي المتعلق بحل المعادلات و دراسة الدوال  و  إيجاد الحلول و كل تلك اﻷشياء المملة يمثل القدارت المطلوبة إتقانها  في سوق العمل و هي اﻷشياء التي تجعل منك مهندسا جيدا أو رياضيا بارعا لكنها هي ذاتها التي تجعلك تكره الرياضيات للأبد..
 مثلا  حين ندرس في حل نظام معادلات  خطية بمجهولين س و ص ، فإن نظامنا التعليمي في الغالب يركز علي تعليمك فقط كيف تقوم بالحل لكن لا يربطك بالواقع ولا يقدم لك الرياضيات في شكلها الجذاب اللائق بها...
لنأخذ مثلا المثال اﻵتي  :
تمرين 1 : سيد احمد يقطن بجانب بقالة زارها مرتين في اﻷولي اشتري 1 كيلو برتقال واثنين كيلو تفاح ودفع 500 اوقية وفي الثانية اشتري 3 كيلو تفاح و 2 كيلو برتقال و دفع 1000 أوقية . كم يبلغ ثمن كيلو التفاح و كيلو برتقال .
تمرين 2: اوجد حل هذا النظام داخل مجموعة اﻷعداد الحقيقية :
  • س+2ص=500
  • 2س+3ص=100

كما تلاحظ فأن كلا التمرينين يعبر عن نفس المشكلة الرياضية إلا أن أحدها قدم في ثوب واقعى جذاب يدعو للتفكير وإعادة التفكير ، أما اﻵخر فقدم في ثوب رياضي ممل ورغم أن التمرين اﻷول يكافئ   الثاني فإن الثاني يعتبر ناقصا بيداغوجيا ﻷنه تجاهل جزء من الواقع الرياضي وهو من أين جاءت س وص ؟ أعني من اين جاءت الرياضيات ؟ ولماذا نحن بحاجة للحل هذه المعادلات..
عادة في أقسام الدرس تكون هناك تمارين للحل ، طرق يتم شرحها ، و حسابات يتم القيام بها ، لكنها تخلو من الروح من معني من مغزي الرياضيات الحقيقي أي اﻷجابة علي أسئلة الوجود ..

و بإعتبار رؤية عبدالوهاب  المسيري للعلمانية الشاملة فإن ما يحدث من  تدريس الرياضيات ـو تلقينها هو علمنة الرياضيات ، أي فصلها عن الروح ، وجعل الطلبة روبوتات بارعة في اتقان تطبيق الرياضيات دون ان تفهم لماذا أو من اين جاءت كل هذه الرموز ؟ أنهم تماما مجموعة من الكمبوتيرات تتقن الحساب و الرسم لكنها لا تدرك لم تفعل ذلك ؟
ولكن في النهاية النظام يريد كذلك..
الرياضيات و اﻷنظمة والتفكير النقدي
إن الخطر القائم على تقديم الرياضيات للجماهير الكادحة هو خطر نشر ثقافة النقد الفكري و التحليل العلمى  بين الأوساط الجماهيرية ، حيث تنمي الرياضيات قدرة الفرد علي  التحليل النقدى ﻷنظمة وتفكيكها  من خلال درجة التجريد المطلقة التي تصل اليها الرياضيات النظرية التي لا تعرف الحدود ، هذا باﻷضافة الى تنمية القدرات النقد المنطقى حيث لا تعرف الرياضيات اﻵراء المسبقة و لا البراهين المزيفة أو السم الملفوف في الدسم ،
إن الثورة على الوجه الشاحب القديم الذى تقدم به الرياضيات يحتاج للتغيير مطلق ﻷنظمة التي تحكم العالم ، انه يحتاج لبناء عالم اكثر عدلا و أكثر ديمقراطية ،
***

جوانب أخري : المشهد من أعلى

تشبه الرياضيات لعبة كرة القدم ، حيث يشكل جانبها التطبيقي  قواعد اللعبة : لا تلمس الكرة بيدك و لا تقوم بالقسمة علي صفر ، في حين تعني فلسفتها أو شغفها جانبها الفلسفي ،
ففي كرة القدم يمكن للمدرب أن يدربك جيدا لكنه لا يمكن أن يجعل منك لاعب جيدا على أرضية الميدان ، وكذلك في الرياضيات يمكن ﻷستاذ ان يعلمك الطرق و القواعد الكفيلة بحل بعض المشاكل لكن لا يمكنه ان يجعل منك رياضيا بارعا..
في كرة القدم يجد الملايين المتعة لمشاهدة ابداع اعظم اللاعبين لكن في الرياضيات المبارايات لا تنتهي ابدا ، و المنعة الكبري هي في مشاهدة كيف صنع الخوارزمي مثلا حل المعادلات أو كيف صنع ديكارت الهندسة التحليلة المدهشة..
جمال كرة القدم لا يمكن أن يقارن بجمال الرياضيات ، فقط الرياضيات لا تشاهد على قنوات الجزيرة السبورت ولا تستخدم لتخدر الشعوب و لا تطلق لها حملات التبرع للمتنخب الوطنى في دول العالم الثالث ....
**
المشهد من أعلى..
الرياضيات : مشهد مهيب ، الفكر اﻷنساسى كله هنا..
تحتار وانت تسعى جاهدا ﻷكتشاف روائعها أيهم اروع : ألغازها ، برايهينها ، أشكالها ، أعدادها ، مجموعاتها ، تطورها ، اسئلتها المفتوحة ، تاريخ علمائها ، تطبيقتها في هذا العالم المدهش..
اﻷكثر إدهاشا من الرياضيات هو ضخامتها  الهائلة ،

أحد أشهر تقديرات توسع الرياضيات قدم   من قبل عالم الرياضيات البولندي ستانيسلاف Ulam  سبيعينيات القرن الماضى، في كتابه "مغامرات عالم الرياضيات". استنادا إلى عدد تقريبي لالمجلات الرياضية،  مابين 100.000 الي 200.000 نظرية تتم برهنتها كل عام ّ!
في حين يعتبر تصينف الجمعية اﻷمريكية للرياضيات AMS أن الرياضيات يمكن تقسيمها ﻷكثر من 3.000 مجال مختلف ..
مشهد مهيب ... و بحر لا ساحل له !! سنكتشف دررر منه خلال تدوينات ممتابعة اسبوعيا بحول الله علي هذه المدونة !!
دمتم بخير!!


0 commentaires:

إرسال تعليق

 
تدوينات © 2012 |القالب من تعريب وتطوير : سما بلوجر